مَنْ منكم بلا خطية ؟
عادة ما نبرر خطايانا ونبسطها. ولكننا نلقي الضوء الأكبر على خطايا الآخرين .. ما أسهل أن نختبىء وراء عدم نشر غسيلنا أمام الناس. هذه النفسية أصبحت ثقافة وحضارة معظم مجتمعاتنا. كثيراً ما نهتم بصورتنا الخارجية فيم تقول الناس عنّا أكثر من اهتمامنا بالحقيقة وعمق ذواتنا.
من تقول الناس أني أنا هذا ما سأله يسوع لتلاميذه ومن تقولون انتم يا تلاميذي أني أنا.
فإن المسيح من خلال هذا السؤال لا يبحث عن مجد ومدح أو تمييز واعتبار من الناس وكم الجمهور والمعجبين والشاكرين له … هو كان يريد أن يوضح حقيقة لاهوتية… هو كان يعرف من هو في نظر نفسه. لم يسأل ذلك السؤال شكاً منه في هويته، وقدرته ووجوده بل كان يريد أن يفهّم تلاميذه وينبههم إلى فهم طبيعته وذاته الإلهية. لأن معرفة من هو المسيح كان أساسي جداً. من تقول الناس أني أنا وليس ماذا تقول الناس عني وعن المشاريع الخيرية التي عملتها وعدد المرضى الذين شفيهم وكم من الفريسيين أخزيتهم وفضحت نفاقهم.
كان المسيح يريد من تلاميذه التركيز على من تراه الناس وليس ماذا ترى عنه الناس . من هو وليس ماذا يعمل، كان هناك الكثيرين ممن كانوا يعملون قوات وعجائب … كان هناك الأنبياء والمعلمين . ولكن المسيح طرح ذلك السؤال ( من تقول الناس أني انا ) فأذا لم تعرف الناس أنه الابن وأنه كذلك الله المتجسد وأنه الفادي فهو لم يضيف شيء على حياتهم الأبدية لربما فقط الجسدية الأرضية ولكن دون إدراك حقيقته. المسيح الذي بدونه لا يستطيعون أن يَخلِصوا .كثيرا ما ننشغل وننبهر بـأعمال المسيح ومعجزاته وتعلميه فهي أكثر من رائعة وفريدة ولم يكن مثلها ولن يكون من قبلها ولكنها ليست الأساس. والأساس والجوهر أن تعرف من هو و أن ندرك بأنه ( القيامة والحق والحياة ).
دون الإدراك والتسليم لمن هو المسيح فسيكون مثله مثل باقي الذين سبقوه . لو علِمتْ الجموع الغفيرة وأدركت الوهية وبنوة المسيح وفداءه لكانت صرخت ( اصلبه، اصلبه) عن فهم أنه أن لم يصلب عنهم ويموت ليكمل المكتوب فلن يخلصوا .. لكانت الجموع طالبت ليصلب عن وعي بأنه ليس هناك بديل آخر لخلاصهم وخلاص من سيأتي بعدهم .. لكانت صرخت بحزن وألم عليه. عن إدراك ومعرفة أن من خلال الصليب سيكون حياة وبالموت سيكون قيامة . لكانت صرخت بألم عليه وحرقة وليس عن جهل وانتقام وخوف من السلطة الرومانية والسلطة الكهنوتية.
المسيح لم يسأل لكي يعرف الجواب لأنه يعرف ذلك ولكن يسأل حتى يثير قدرة السامع على التفكير ومراجعة نفسه وفهم احتياجه.
الجواب ليس له ولكن لنا نحنُ. وأفضل طريقة لجذب ودعوة الناس للتفكيرهي من خلال طرح الأسئلة من منكم بلاخطية فليرمها بحجر، هو يعلم أنه ليس إنسان على الأرض بدون خطية، لذلك عرف مسبقاً أنه لن يتجرأ أحد على رجم الزانية! لماذا، لأنه لا يوجد شخص دون خطية لذلك ليس هناك شخص سيرجم تلك المرأة. هو لم يسأل ذلك ولم يكن ينتظر أنه يأتيه شخصاً ما تنطبق عليه تلك الصفات. لربما المرأة كانت مترقبة أن يأتيها شخص ويرجمها بحجر ظناً منه أنه أفضل أو أنه الشخص الخالي من العيوب والخطايا.
المسيح عاد ليكتب ولم يكن عنده أدنى شك بأن هناك شخص سيرجم الزانية وإلا لوقف أمامها لكي يحميها أو حتى ساعدها على الهروب ولم يدخل في جدال مع المشتكين عليها ولم يطرح أسئلة مثل مع من أسكت … هل هناك أكثر من شاهد … هل انتم متأكدون أنها فعلت ذلك؟ هل رأيتم بأعينكم أم سمعتم شخصاً ما، لريما شخصاً حاقد عليها وأرادَ أن يدبر لها ذلك الفخ.
ولم يبدأ بمسألة الزانية وتوبيخها بالوعظ عليها وتقييمها أمام الجموع الغفير .. ببساطة لأن مشكلة المسيح ليست مع الخطية.
الخطية وسلطانها بنظره سوف تنتهي بموته وقيامته. المسيح لم يكن لديه مشكلة مع الخاطىء بدليل ما فعله مع الزانية أو بالأحرى ما لم يفعله، فهو كان يكتب على الأرض ولم يحتد عليها ولم يطلب منها أن تبتعد عنه لأنها خاطئة. مشكلة المسيح واضحة من خلال سؤاله ” من منكم بلا خطية فليرمها بحجر” الإشكالية التي طرحها المسيح بوضوح هي “من يظن نفسه أن له السلطان والحق لإدانتها”. “من يظن نفسه أنه الأحق بإدانة الآخرين”.
المسيح لم يغتنم الفرصة لكي يعلّم عن الطهارة والقداسة ولكي يلقّن هذه المرأة درساً لن تنساه حتى تكون عبرة لمن يسمع من الجمهور الحاشد. مرة ثانية المسيح لم يكن لديه مشكلة لا مع الخطية ولا مع الخاطئ، وإنما مع من يظن نفسه أنه (بار) وأنه مستحق وأفضل لأن يكون في موقع ومسؤولية إدانة الآخرين. هو أكدَّ حقيقة مهمة جداً أن الجميع أخطأوا وأعوزهم مجد الله لذلك جاء ليحلّ هذه المشكلة. المسيح بسؤاله وضع معايير مهمة جداً للرحمة وقبول الآخرين وعدم التشهير بهم.
ضع الفرق بين البار من خلال دمه والبار في عين نفسه. المسيح يريد أن نشعر مع الآخرين ونتوقف عن مراقبتهم وتقييمهم بحسب ميزاننا الروحي وبرنا الذاتي. وكذلك أرادَ من كل واحدٍ مِـنَّـَا أن ينشغل بخطيته وليس بخطية الآخرين وأن نترك الدينونة للديان.