تعد الثقة بالنفس انعكاساً لما يشعره الشخص من تقدير لقيمته الشخصية، هذه القيمة غير متعلقة بما يملك من ثروة أو أصدقاء أو تعليم أو حتى إنجازات وأعمال.
الثقة بالنفس هي إدراك الشخص لقيمته الإنسانية الصحيحة، بألاّ يقيم الشخص نفسه أنه أفضل من غيره مما يجعله عُرضه للكِبْر أو أنه أقل من غيره مما يهيئ البيئة الخصبة لما يسُمى بصغر النفس.
هذا التوازن الصحي لمفهوم الثقة بالنفس تعثر كثيراً في وسط عالم من مزدحم بالماديات والذي يعطي قيمة أكبر للإنجازات الشخصية على حساب معايير مادية واجتماعية هي في الغالب معايير مغلوطة ومزدوجة.
بالرغم من أننا تحت تأثير هذه المقاييس المادية إلا أن هذه الظاهرة مكتسبة وليست موروثة، لذلك فإن إمكانية تعديل نظرتنا لأنفسنا هي أمر يتعلق بقرار منَّا. وهنا يجب أن نتذكر أهمية ما نقوله لأنفسنا أو حوارنا الشخصي مع ذواتنا وكيف نقيم وعلى أي أساس نُقيم فيه أنفسنا.
ومن تجربتي الشخصية في العمل في حقل الإرشاد النفسي، أتوقف كثيراً عندما أسمع شخصاً ما يقول عن أن ثقته بنفسه ضعيفة وهنا أسأل الشخص عن سبب شعوره هذا؛ لأنه في بعض الأحيان وفي ضغوط الحياة المستمرة والمشاكل التي نتعرض لها في حياتنا قد ينتابنا هذا الشعور، وهذا ليس ما يجب أن يقلقنا، بل ما يجب التوقف عنده هو تحديد الشيء أو الموقف الذي يجلب هذا الشعور، أي أن نوجه أنظارنا نحو الشيء المحدد وليس العام. مجرد قراءتكَ لهذه المقالة دليل على أنك شخص تعي أهمية الموضوع وأنك تبحث عمّا يمكن عمله أو تعلُمهُ لكي تزيد فرص نجاحك في المستقبل، المستقبل الذي هو انعكاس لما تعمله في هذه اللحظة. فإنك تحدد نوع مستقبلك وحياتك من خلال ما تقوم به الآن. لذلك فمن الضروري أن نتوقف أمام تلك (الإشارة الحمراء) ألا وهي جملة “أني ضعيف الثقة بالذات”.
من المهم أن نكون محددين ودقيقين في سبب شعورنا بضعف الثقة أو بالأحرى أسأل نفسك هل بسبب علاقتي مع رئيس عملي، شعوري بالوحدة بسبب بعد أهلي وأصدقائي. أو بسبب ما يقرأه الميزان كلما وزنت نفسي.
عندما نعطي أنفسنا المجال لتحديد وتعريف العامل المسبب في شعورنا بالانزعاج سوف يساعدنا على تشخيص المشكلة وبالتالي إيجاد الحل لها
. بمعنى آخر يجب أن تذكر نفسك بأنك لست أنت المشكلة بل هناك مشكلة محددة في حياتك وأنت تريد أن تجد لها حلاً. شعور فقدان الثقة بالنفس ليس وليد اليوم أو نتاج علاقة أو موقف بل أن جذوره تمتد الى أبعد مما نتخيل أو حتى نتذكر
. شعور الثقة بالنفس يمكن تخيله على أنه شجرة كبيرة الحجم ولها جذور قوية وعميقة ولكن أوراق تلك الشجرة جافة ولا تبدو عليها ملامح الحياة. الشجرة جذورها ممتدة إلى أول ذكرى لك عندما أتيت من المدرسة وأعطيت شهادتك لوالدك وأنت مسرور جداً بما أنجزته ولكن أول ما وقعت عليه عيون والدك هي علامة الثمانين أو السبعين متناسين كل العلامات المميزة الأخرى. هنا حُفرت في ذاكرتك صورة مكتوب عليها بأنك لست مميزاً أو أن قيمتك أو حتى مدى رضا والديك عنك متوقف على معدلك الدراسي، وصلت لك الرسالة مختومة من أهلك بأنك خيبت ظنهم وأنك لست أهلاً للثقة. لذلك من الصعب أن تتغاضى عن كل تلك الذكريات المؤلمة دون التوقف عند هذه الأفكار السلبية التي أعطت اللاوعي فينا خلاصة تلقائية ألا وهي ” شعور قلة الثقة بالنفس”.
عندما تتوقف أمام المرآة وتشعر للحال أنك شخص غير جذاب فهذا وقت مهم جداً لتصحيح الخطأ التلقائي الذي عشته لسنوات طويلة. الخطوة الأولى في طريق تصحيح نظرتنا لنفوسنا هي الانتباه لتلك الأفكار السلبية عن ذواتنا والأكثر أهمية من ذلك أننا عندما نُمسك في ذات الفكر “أو الفكر السلبي عن ذواتنا”، يجب أن نستثمر الفرصة بتعديل مفهومنا عن ذواتنا بمحاولتنا رؤية وتقييم تلك الفكرة عن بعد، أي أن تُمرن نفسك على الفصل بين نفسك وبين الفكرة التي راودتك عن نفسك.
وأخيراً
تذكر أن تترك مجالاً للخطأ في برنامجك اليومي، فلا تكون أنت الجلاد والقاضي عندما ترتكب خطأ معيناً. فارتكاب الأخطاء لا يجعلنا أشخاصاً فاشلين بل يؤكد حقيقة مهمة وهي إنسانيتنا وكذلك جديتنا في تحقيق الأفضل، فكلما أعطيت وقتاً أطول في التفكير بأخطائك كلما قويت شوكة الفكرة السلبية ولا يبقى لك الوقت لكي تستمتع بما حققت وفيما نجحت في فعلهِ. تأكد من عدم الانزلاق في شارع الكمال في أداء واجبك واحرص على تقديم أفضل ما عندك وليس الأكمل، فطريقة التفكير هذه سوف تساعدك على تخفيف وطأة الضغوط المتراكمة عليك في كل اتجاه، لذلك ارحم نفسك وارفق بها وكن في ذات الوقت أكثر حزماً مع الموضوع أو المشكلة التي تواجهك.
مفهوم الثقة بالنفس from برنامج معاكم | Ma33a. on Vimeo.