مختلفين ولكن

%d8%a8%d8%b1%d9%86%d8%a7%d9%85%d8%ac-%d9%85%d8%b9%d8%a7%d9%83%d9%85-%d9%85%d8%ae%d8%aa%d9%84%d9%81%d9%8a%d9%86-%d9%88%d9%84%d9%83%d9%86ابتعدن من ههنا، البستان له حرمة.
هكذا كانت نبرة رجل الأمن تلك الليلة. لربما وجدنا أصغر من أن يطلب منا بأسلوب فيه قليل من الاحترام، أن لا ندخل البستان الذي كان يحرسه.

أجبناه: حسناً، لم نكن نعلم بالأمر، ثم تسارعت خطواتنا وبعدما ابتعدنا قليلاً أكملنا الأحاديث التي كنا قد ابتدأناها أنا وصديقتي كعادتنا بلغة الروتانا وهي لغة قبائل جنوب السودان… إحدي الروابط التي جمعتنا سوياً، بالإضافة إلى رباط الدم، فهي قريبتي أيضاً، وهناك رابط آخر ألا وهو أحلامنا الوردية وعفويتنا… ولمَ لا، فنحن لم نبلغ الخامسة عشرة من عمرنا بعد.

في اليوم التالي عبرنا نفس المكان ولكن هذه المرة تحاشينا الاقتراب من البستان ورغم ذلك سمعنا نفس الشخص ينادي: “لا يمكنكم الاقتراب”. أدرت وجهي وأكملت السير، وكأني لم أسمع. وكلما مشيت خطوة كان صراخه يعلو أكثر. “أيتها الفتاه ألم تسمعي؟ إني أُكلمك”.

تابعت خطواتي وأنا أعلم بأني لن أجيبه، فأنا لم أرتكب خطأ. ولكنه لم يتوقف عن الصراخ وأخذ يجري وراءنا ثم أوقفنا وابتدأ يهاجمنا بكلامه ويقول: “أنت أيتها الفتاه لماذا لم تتوقفي”. في هذه اللحظة أحسست بان بركاناً يتدفق داخلي ولم أعد قادرة على لجمه، وأنه في طريقه ليلتهم كا أخضر أو يابس. أجبته بغضب شديد:”لماذا تعترضني وأنا لم أفعل شيئاً خاطئاً”.
ثم مشيت فمشى ورائي وأمسكني من كتفي وقال: “من تظنين نفسك، ابنة من أنت”. أجبته ونيران الغضب تأكلني: “إني إنسانة عادية وأبي رجل بسيط. اتركني وشأني”. وعندما استدرت استدار أيضاً حولي وصفعني. عندها تفجر بركاني ومن قوته لم أدرك ما فعلته إلاٌ بعد فوات الآوان. أمسكت قميصه ومزقته حتى تناثرت أزراره، وهنا تفجر بركان رجولته أيضاً واصطدم البركانان معاً. وكنا كلانا في حالة من الجنون الهائج.

صمت جنوننا عندما سمعنا صرخات رفيقتي التي تجمدت في مكانها لشدة خوفها وصدمتها. طلبت منها أن تذهب لتنادي أهلي. حاولت جمع قواها وبصعوبة بالغة حملتها رجلاها لتجري وهي مرتعدة. وفي هذه الأثناء حاول رجل الأمن الآخر تهدئة الموقف، وطلب منا القدوم إلى المكتب المجاور لكي يستريح كلانا ونضع حداً لتلك البراكين المشتعلة.

وعندما رفضت ذلك لم يجد أمامه طريقة أخرى غير حملي على ظهره والركض بي حتى وصلنا المكتب، وهنا وصل بركاني لقمته. فابتدات بإطلاق كلام ناري ونعت الرجلين بالعنصرية. نعمً إنكما عنصريان ولا تحبوننا بسبب لوننا.
نظرت إلى وجهه فبدا لي مذهولاً. وشعرت بالحزن والأسف الذي انتابه لانه ترك الأمور تتفاقم إلى ذلك الحد.

حتى بعد مرور أكثر من عشر سنوات، لم أنسَ يوماً تلك الحادثة. في كل عام كانت ذاكرتي تحفظ وتدون تلك الحكاية، وخصوصاً كلما مرَ شخص أبيض اللون أمامي. تعلمت طوال تلك السنين كيف أتقبل نفسي كما أنا بشكلي ولوني وهويتي. أدركت أيضاً المرات العديدة التي انسقت فيها لآراء الناس وحقدهم أو حتى لتجاربهم الشخصية. لم أعلم لماذا طلب مني رجل الأمن التوقف، ليس ذلك مهماً الآن، الأهم أني تصالحت مع نفسي وأصبحت أنظر إلى باطن الناس وليس إلى شكلهم، وإلى عمقهم وليس إلى سطحهم.

1: هل يحدد اللون والشكل والجنسية شكل وطبيعة علاقاتنا مع الاخرين؟
2: ماهي الأمور التي من الممكن تغيرها في طريقة تفكيرنا والتي تساهم بدورها في تقبل أنفسنا بشكل أكبر؟

%d8%a8%d8%b1%d9%86%d8%a7%d9%85%d8%ac-%d9%85%d8%b9%d8%a7%d9%83%d9%85-%d9%85%d8%ae%d8%aa%d9%84%d9%81%d9%8a%d9%86-%d9%88%d9%84%d9%83%d9%86