قصة العم شحادة
لقد ألفنا العيش في السودان، وبالتحديد في الخرطوم، وكان أحب ما على عمله هو التعرف على الناس. تعرفت قبل عدة أيام على العم شحادة قبطي مصري. وبالأحرى من مدينة نيكادة الصعيدية، قدم إلى السودان وهو في العشرينات من عمره، حكى وبقلب مفعم بالطمأنينة والسلام كيف ترك مصر حيث كان الابن الوحيد، فلم يعطيه الرب أخ أو أخت ولكنه باركه فيما بعد بأولاد وبنات. مما جعله يعوض سنين وحدته.
لذلك أسمته أمه شحادة. “كيف تتركني يا شحادة وأنا ليس لي غيرك في هذه الدنيا؟ أنت النور الذي أرى من خلاله، لن تتركني إلا بعد دفني”.
لم تهن عليه دموع الحبيبة أمه فاختار البقاء ولكنها اختارت هي تركه، ماتت أم شحادة ولم يبق أمامه سوى قرار الرحيل، فأخذ زوجته اليافعة الشباب وأتجه نحو السودان إلى مدينة كوستي وهي مدينة تبعد عن الخرطوم بضع ساعات، شق طريقه وكأنه كان يعلم بان قسوة الحياة في الصعيد لن تضنيه بحثا عن أمل جديد، فوجد في هذه البلدة من القساوة وصعوبة العيش ما يرضي تطلعاته وحبه للحياة وإيمانه العميق ببركة الرب بحياته. كانت يداه تنسجان الخيط حرفة توارثها من أجداده وفتحت له باب الرزق كما يقول.
عمر العم شحادة يناهز الثمانين ولكنه أكثر شخص جذب إهتمامي ووجدت الحديث معه ممتعا لأنه بدوره قصد أن يمتعنا ويؤانسنا كما يقولون في السودان. حكى لنا كيف ترك كوستي وأتى إلى مدينة أم درمان. سكن في بيت استاجره بمبلغ 25 جنيه سوداني ولايزال يسكن في ذلك البيت ولاتزال أجرته 25 جنيه سوداني رغم مرور 35 عاما على ذلك الكلام. تربى في ذلك البيت ثلاثة بنين وأربع بنات.
عندما كنت أنظر لوجه العم شحادة كنت أرى قوة الإرادة التي لا يملكها الكثير منا في مرحلة الشباب وجدت في كلامه العزاء ومحبة الله لبني البشر، ذهلني جدا ببساطته وكرمه غير العادي تلفت من حولي لألقي نظرة على ذلك البيت، إذا هو بناء من طين، فيه غرفتان فقط وباحة كبيرة وشجرة عملاقة يهرب إليها سكان البيت في وقت إنقطاع التيار الكهربائى وما أكثر تلك الأوقات.
بساطة العم شحادة وقوة إرادته وإصراره على فتح بيته لكل من يلجأ إليه رغم قلة موارده قرأتها بوضوح على تلك الجدران الطينية، وتساءلت بعدها هل يستطيع بناء من الطين أن يصمد كل تلك السنين؟ فأتتني الإجابة وأن أكتب هذه القصة نعم لقد صمد ذلك البيت وصمد معه ساكنيه، فالبيت يصبح أجمل بأصحابه، هذا المثل أدركته حقيقة في هذه الحكاية. تخرج الأولاد من أفضل الجامعات وتزوجت الفتيات.
ذاكرة سنين طويلة أختصرها ذلك العجوز الطيب بتلك الأمسية الجميلة وأخيراً مددت يدي لا أسلم عليه فمد يده هو أيضا ولكنه لم يرأني بوضوح فنظره كان قد خيب ظنه أخذت السنين حقها بقسوة من صحته ولكنها أبدا لم تأخذ من صبره وقوة حضوره الواضحة لي ولجميع من حوله.
1: ماهي صفات الشخص القوي الحضور؟
2: كيف يمكننا ان نترك اثرا طيبا في علاقاتنا مع الأشخاص المحيطين بنا؟