الحواس الخمس

%d8%a8%d8%b1%d9%86%d8%a7%d9%85%d8%ac-%d9%85%d8%b9%d8%a7%d9%83%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d9%88%d8%a7%d8%b3-%d8%a7%d9%84%d8%ae%d9%85%d8%b3%d8%a9لم تكن الحاجة المادية الدافع الاول في ابداع العم صالح .. وان كانت كذلك في بادى الامر. كان العم صالح يعمل بيدين متمرستين على الخياطة منذ مرحلة شبابه. انها اول فتاة خفق قلبه لها وعشقها باكرا. فالخياطة لم تكن مجرد مهنة. أُحيط العم صالح بمتنافسين كُثر. صغارا وكبار، محترفين ودخلاء …. وكيف لا والزبائن تقبل عليه وكأنها تلهث وراء لقمة العيش.
لم يمتلك العم صالح محلاً متميزاً بل مكانا صغيرا يكاد لا يسع الاّ لزبون واحد وإذا رافقه زبون اخر يدُخل نصف جسده في المحل ونصفه الاخر يكون عرضة لأشعة الشمس صيفا ومهبا للريح والامطار شتاء.

لم أكن انا أحد زبائنه بل كنت أحد المستثمرين في ذلك الحي، استثماري لم يكلفني الكثير. فقط صندوق فارغ وابريق من الشاي واما الفناجين فكان تمويلها يأتيني من اصحاب المحلات من حولي الذين راق لهم طعمُ الشاي الذي كنت أقدمه. وجودي بقرب العم صالح جعل زبائنه زبائني وسبحان من ينعم الارزاق بأبسط ما نتوقع.
يقول العم صالح باني جلبت له الزبائن بفضل تلك الخلطة السحرية من الشاي الذي كنت اصنعه، ولكن لم اصدق كلامه يوماً بل صدقت وامنت جدا بفنه العجيب. ذات مرة قصدت ان اراقبه وهو يخيطُ أحد الفساتين فبدا لي نحاتا. امسك قطعة القماش طولا وعرضا وكأنه ساحرا بل قائدا لأوركسترا. سرح العم صالح لثواني وبعدها رأيت نشوة الابتكار تلمع في عينيه.

كان يحرك يديه فتستجيب قطعة القماش لإلهامه وتطيعه في كل حركة. مضت سنوات عديدة وتقدم العم صالح في العمر وفقد بصره ايضا ولكنه ابدا لم يتنازل عن موهبته. فالخياطة عالمه لا بل وطنه الذي لن يتخلى عنه مهما كانت الأسباب.
ما هذا الابداع ياعم صالح وانت فاقد لبصرك. لطالما اردت الاجابة على هذا السؤال، اقصد اجابة مقنعة تجعل زبائنه يعودوا للتعامل معه رغم ما حدث.

وانا في خضم افكاري وتساؤلاتي دخلت زبونة انيقة للغاية اعرفها منذ زمن لم تكن زبونتي يوما فهي على عجلة من امرها دوما. اخرجت تلك السيدة قطعة القماش بعد ان القت التحية، وقالت للعم صالح افعل بها ما تشاء وكأنها سلمته خادمة غير مرضي عنها. امسك هو قطعة القماش واخذ يلمسها بهدوء تام ثم شمها وبعدها اخذ يقلبها ويلفها وكأنه في حلبه لمصارعة الثيران. خُيل لي بانه اراد ان يسمع صوتها ايضا. استخدم العم صالح جميع حواسه قبل أن يمسك المقص.

وهنا أدركت حقيقة مهمه جداً وهي ان تلك الموهبة فريدهٌ من نوعها. انها تجري في عروقه. فهو لم يتعامل مع القماش كونه جمادا مع انه كذلك، لم يهمه يوما كم سيدفع الزبون. كان همه الوحيد كيف يبدع ويبتكر الجمال. تعلمت اشياء كثيره من العم صالح اهمها كيف أحس الاشياء من حولي واستمتع بقدرة الخالق في جميع ما خلق ووهب للبشر. شكرت الله على استثماري الجيد فلربما سأبيع يوماً شاياً من طراز مختلف. يجعل من يشربه يشعر بإحساس مختلف، لا اعلم. لكن بالتأكيد أستطيع ان اقول ان في حينا وجُد بتهوفن جديد وهو العم صالح.

1: هل وجود التحديات الجسدية يساهم في ظهور ام اختفاء الابداع؟
2: شاركنا عن شخص تعرفه لم يسمح للتحديات الجسدية من ان تقيد مسيرة ابداعه