أحلام من طين
دبابة هنا، وطائرة هناك، لم تكن تلك الأشياء العابا، أو قصاصات ورقية. بل جزء من الحقيقة التي أحيطت بذلك الطفل، ورسمت حدود وطنه، الذي حتم على والد الطفل الضابط في الجيش أن يسكن إحدى الثكنات العسكرية. ضابط في الجيش تسمية رفيعة ولكن المعيشة لم تكن كذلك.
تربى ذلك الطفل في مكان بعيد عن حدود مدينة أو حتى مفهوم قرية وما إن كان يخرج ليلعب مع الأولاد الذين جمعتهم به نفس الظروف حتى ينتهي به الأمر إلى العزلة والتأمل فغريزة اكتشاف العالم في داخله لم تكن تعرف إلا تلك الحقيقة مهما أختلفت الظروف والأمكن.
كان الطفل حسام يتسلل إلى تلك المواقع خلسة وببراءة طفل وتحدي رجل بداخله يعود ليصنع العاباً مشابهة لكل ما كانت تراه عيناه. لم يستخدم حسام مادة البلاستيك أو النحاس لتشكيل العابه بل مادة توفرت حوله فهي لاتباع ولا تشترى بنقود.
تلك المادة كانت وطنه. عليها فرش جسده النحيل ليلا ومنها صنعت جدران غرفته او بالأحرى الغرفة الوحيدة لعائلته الكبيرة. كبر حسام وتغيرت مادة ألعابه فهو ابتدئ يلهو بالطين ثم انتقل من العصر الطيني إلى عصر المعلبات الفارغة التي تواجدت في نفايات بعض أصحاب الرتب العالية. وبعد إنهاء دراسته المهنية في أول مدينة سكنها. سمع ذات يوم أن المحافظة تقيم معرضا مهما فقرر أن يصمم مجسما لطائرة.
وفعلا تم اختيار مجسم الطائرة التي صنعها وأخبره مدير المعرض بأنه فاز بجائزة كبرى وهي تذكرة سفر لأي بلد يختاره. كان ذلك الخبر بمثابة صفعه اجبرته حتى يستيقظ من غيبوبة الفرحة، فهو لم يسافر يوما وكل ما يملكه من النقود يكفيه لا أخذ حافلة واحدة أما المسافة المتبقية لبيته فكان يقطعها مشيا هذه الرياضة التي لم يختارها هو بل هي من وقعت عقدا معه مدى الحياة.
أه ما أضيق الباب الذي فتح له فهو لا يسع كل مواهبه وقدراته، صمت قليلا ليفكر بالحل أجاب وتسأل مبتسما هل يمكنني بيع تذكرة السفر لشخص أخر؟ وقبل أن يأتيه الجواب قرر حسام أن يترك جسده ضيفا على مكتب المدير وأخذ خياله لسوق المدينة وأخذ يتمشى في ذلك السوق متباهيا رافعا رأسه بشموخ، كان يلقي التحية شمالا ويمينا على أصحاب المحلات اشترى ماكينة خياطة لامه ونظارة طبية لولده والكثير من الثياب والألعاب لأخوته ثم مد يده في جيبه فلم يجد نقودا أرتبك حسام كثيرا أخذ يصرخ أين نقودي لقد سرقوني نعم سرقوني. وهنا تدخل مدير المعرض وهز كتفه قائلا ما لذي دهاك يأبني هل فقدت عقلك؟ قلت لك: لا.. ألم تسمع لا يمكنك بيع تذكرة السفر؟ أدرك بأنه منح إهانة من الدرجة الأولى وليس جائزة تقديرية.
مزق التذكرة بعد أن مزقت هي أحلامه، تسارعت خطوات حسام نحو الباب وبين الضحك وخيبة الأمل أخذ يركض مسرعا جدا، راجيا بالعودة إلى الماضي البعيد إلى مادة الطين رفيقته الأولى وعندما عادت طائرة ذكرياته أدراجها تنفس عميقا وقال ليتني فكرت أكثر وصنعت طائرة أكبر تسع احلامي، طائرة أحُلق بها دون قيود وحدود وهنا تذكر ذلك الشاب بأنه لم يخبر مدير المعرض بأنه لا يملك حتى جوازا للسفر.
1: ماهي التحديات التي تواجهها في تحقيق احلامك؟
2: كيف يمكن ان تؤثر خيبات الامل والمصاعب في تشكيل قناعاتنا الشخصية عن إمكانية تحقيق ذواتنا؟